الحبّ الأزلي
على قدر الرّحمة تُقاس القلوب. شريعة الغاب تُحتّم الوحشيّة، اما شريعة الحب تقودها الإنسانية, بما ان نبض القوافل وقودها القوالب, الثابت قتل النّفس جُرماً, فما حال استعباد النفوس و استثمارها؟ حتماً هو إلغاءٌ لماهيّة الوجود. و كل ما دون ذلك عار على الإنسانية.
يحتاج الإنسان إلى التّعمق اكثر في مفهوم الوجود كما يحتاج الى حكمة و صوفية في اكتشاف خصال الحيوانات. عواطف الحيوانات خام ، مشاعرها غير مُصطنعة، وغير خاضعة للرّقابة. فرَحهُم نقيّ، مُعدي. وحزنهم عميق و مُدمّر. شغفهم يقود البشر نحو الإرتقاء الروحي اي الحب الأزلي.
نحن نرعاهم لعدم اكتمالهم ، لكن لا نهتم بمصيرهم المأساوي. الحيوان لا يقاس بالانسان أبداً. تاريخ الحيوانات عريق يضاهي عمر البشر، عالمُهم أرقى و أكبر، كامل متكامل أكثر من عالمنا، منظّم غير مُقسّم. ينتقلون بشكل مُنسّق، موهوبون بإمتداد الحواس التي فقدناها أو لم نرتقي الى تحقيقها بعد. هم ليسوا أتباعاً للبشر بل أُمم أخرى، يمكنها التأقلم مع طبيعة الإنسان، حسب المؤهلات التي تتلّقاها من المجتمعات التي تسعى الى ترويضها و تربيتها، تماما كتربية ونشوء الأبناء. إمّا أن ترتقي للمستوى المطلوب أو تكون مجتمعات وحشية جاهلة قائمة على الهمجية و عليها تقع النفوس جميها في شبكة الحياة و عقدة الأرض ورعبها.
إن الخير الإنساني الحقيقي ، بكل نقائه وحريته ، لا يرتقي إلا بالسّلام. إن الاختبار الأخلاقي الحقيقي للجنس البشري ، اختباره الأساسي الذي تم دفنه، يتكوّن من موقفه تجاه أولئك الذين هم تحت رحمته: "الحيوانات." كيف يمكن أن تفهم الحيوانات أشياء لا تعرفها؟ المؤكد أنها تفهمها... ربما هناك لُغة غير الكلمات يفهمها الكون. ربما هناك روح مخبأة في كل شيء، يمكنها دائمًا التعبير، تتناقل من روحٍ إلى أخرى، تتحدّث دون أن تَصدُر أصوتاً.
يتحدث الناس عن القسوة "الوحشية" على أنها مرتبطة بمنظومة الحيوان والطبيعة. الثابت، ان هذا المبدأ غير عادل ومهين للوحوش و للحيوانات أيضاً. لا يمكن لأي حيوان أن يكون قاسياً كالإنسان، قلب الإنسان قاسي و مستبد و متسلّط للغاية من الناحية الفكريّة.
إن الإفتراضية التي تزعم أن الحيوانات بلا حقوق و عدم الإكتراث بأخلاقيات تربيتها و معاملتها فريضة شائنة على الفظائع والوحشية. الرحمة الشاملة هي الضمان الوحيد للأخلاق.
ما الذي يميّز عقل الإنسان عن الحيوان؟ القدرة على تصميم الأدوات، أو الإحساس، أو إدراك الماضي والمستقبل ؟ او السمات التي ساعدته في معرفة نفسه و ادراك الكوكب؟
في العقود الأخيرة ، تآكلت هذه المزاعم ، أو حتى تم دحضها بشكل كامل ، من خلال ثورة الإدراك الحيواني. حيث إستكشف العالم فرانس دي فال نطاق وعمق الذكاء الحيواني. اعتمد الطريقة الأخطبوطية لأغلفة جوز الهند كأدوات؛ الفيلة التي تصنف البشر حسب العمر والجنس واللغة ؛ ذاكرة الشمبانزي التي تضع ذاكرة الفلاش و ذاكرة الإنسان في العار. هذا عوضاً عن الأبحاث التي شملت الغربان والدلافين والببغاوات والأغنام والدبابير والخفافيش والحيتان ، وبالطبع الشمبانزي والبونوبوس. غالبًا ما يتبع الإنسان التراتبية التصاعدية للوصول الى الإدراك. من الأدنى إلى الأعلى حسب مؤهلات الذكاء الفكري. ولكن ماذا لو كان الأمر أشبه بالأدغال، بأشكالها المختلفة التي تضاهي الإدراك الفطري في كثير من الأحيان؟ هل يُفترض أن يكون الإنسان أغبى من السنجاب لأنه أقل خبرة في تذكّر الاف المواقع من الجوز المدفون؟ أو هل يُحكَم على بصيرة الإنسان للبيئة المحيطة به على أنها أكثر تطوراً من نظرة الخفافيش؟
ديوال يستعرض صعود وهبوط الآلية المرتبطة بها ادوات تطوير العقل الحيواني و يفتح العقول لفكرة متطورة معقّدة كثيرا رغم انها مثيرة للجدل و قريبة جدا من المنطق. بعيداً عن التعقيدات التي تتخلّلها براهين ديوال الا ان السلاسة الدلائليّة العلميّة واضحة و مؤكدّة. يمكن مراجعة عمل ديوال التاريخي الذي يحتّم على الفكر الانساني إعادة التفكير بالمقدرة الإلاهيّة الممنوحة للكائنات و مراجعة الرؤية العلمية المرتبطة دلائلياً عن كفية الغوص في أعماق المقاييس المرتبطة بالقدرات الذهنية، و مقارنة القدرة النسبية بين ذكاء الحيوان و الإنسان. |
Comments
Post a Comment